Monday, December 04, 2006

آلام ميتافيزيقية....اا


الشيخ عيسى
منذ عشر سنين آفلة ، كنت اهرع اليه بلوحي الخشبي...الى غرفته المستقرة في أطراف مزرعتنا ...اتعلم منه آيات الذكر الحكيم
أراجع عليه ما مضى ..او يمليني فاخط على اللوح بأقلام القصب لوحي الجديد مما اقتبس
القلم من الحبر...!ـ
أحيانا يقوم ويتركنا نتلوا ونراجع -أنا وإخوتي- ... ليقاطعنا وهو عائد ببراد الشاي الأخضر ـ الذي لا أعرف أحدا يعده أفضل منه ـ
المليء بأوراق النعناع على طريقة البلاد التي أتى منها ..المغرب
....وفي يده الأخرى صحن زيت الزيتون...وأرغفة الخبز...!ـ
يجلس في ركن الغرفة وشفتاه لا تمل التمتمة بأصدق الحديث...دائما لا يسكت عن الحديث بكلام البشر الاّ ليستهل كلام خالق البشر
في ختمات لا حصر لها...!
يداه تجرحان حبات الزيتون التي جناها من اشجارها...ليغمرها في الماء المملح ..بعد حين...!تحوم ذبابة فيهشها بعصاه المؤلمة..!ـ
يسرّحني واخوتي عند شعاعات المغيب ...يشيّعنا بابتساماته الهادئة....!ـ
****************
عاد الشيخ الى عائلته في المغرب....!ـ
ولكنه، كل ما هلّ الهلال المبارك، بين الاهلة....وحضر شهرالله...يجيء الى ليبيا ليصلي بالناس صلاة التراويح
في أحد المساجد ..مقال مبلغ من المال يرجع به الى عياله في المغرب...فهم في ضيق من العيش هناك!ـ
يقضي عندنا اأياما من الشهر الكريم ....وشهرا من بعد العيد...ليخلل لنا الزيتون
بطريقته المميزة...ولنتبادل ذكريات الماضي ببساطة منه ووجل مني...!ـ
اراه بجِرْمِه الهزيل يجوب المزرعة وهو يتلوا القرآن كما كان يفعل من قبل.....!ـ
يقضي أياما معنا..... يودعنا ويرجع على امل
اللقيا في العام القادم....!ـ
هذه السنة ، اجتمعت الخطوب على شيخي العزيز....
جاء كلل سنة....بحث عن مسجد يقضي به الشهر الكريم مصلياً بأهل منطقته.....فلم يجد في أول الأمر.
ثم ـ وبعد بحث ـ وجد مسجدا صغيرا...ففرح به فرحا شديدا...!ـ
وعند رابع يوم...استوقفه احد شيوخ المسجد ليخبره في حرج..بأن هناك قرارا صدر من الدولة يمنع أن يقوم أي شخص أجنبي بالصلاة بالناس في أي مسجد ، ومهما كانت الأسباب...أسقط في يد شيخي ....وقد كان يَعِدُ النفس ببعض
الأرزاق من وراء هذا البذل المقدس...ولكن لم يكن في الأمر منفذ...أمر صارم هو...
وقال الشيخ عيسى الذي أفنى عمره في تدريس القرآن في ليبيا من السبعينيات...انه لم يشعر بنفسه غريبا في ليبيا إلا اليوم...!ـ
ولكنه ـ وكما يفعل دائما ـ ..تقبل قضاء الله بتسليم الأبطال ...ويينما هو عندنا يعدّ أيام الغربة...تلقى
اتصالا من أهله في المغرب ..اتصالا كان يخشاه....!ـ
اتصالا أنبأه أن قرار إخلاء منزلهم الفوري قد وصل ...وهاهم أهله يخبرونه الخبر ، المنزل يسوى بأديم الأرض....كما يُفعل بكل أبنية المنطقة...!ـ
والسبب وجيه ...إن منازل هذه المنقطة لا تعتبر بيوت بل هي خِرَبٌ وحظائر..ويجب التخلص منها لأنها تشوه منظر الشوارع
هناك..وآن الأوان للتطور...!ـ
والحل بسيط يتم هدم كل البيوت ـ الخرب...وكل صاحب بيت ـ خربة يقوم ببناء بيت جديد على حسابه الخاص...في نفس الأرض التي كانت تحتلها خربته..دون أي مساعدة من الحكومة...!ـ
وهو لعمري أفضل حل لكل صاحب منزل متهالك ..اهدم له بيته ..وسيقوم هو ببناء فيلا على آخر ما تخيلت أدمغة المهندسين من
تصميمات...!ـ ولربما وجد أن بيته أصبح على ساحل البحر بقدة قادر...!ـ
التجأت عائلة شيخي إلى أحد أقربائهم كما فعل كل من حلت به هذه المصيبة...إلى أن يقدر الله الفرج !ـ
وإجابةً على سؤال لي ..قال شيخي إن ثمن الأرض
لا يكفي لشراء ربع بيت قديم..
***********
هنا وجدت نفسي لا أملك تجاه نفسي إلا الرثاء لها....مما تحمل في نفسها من ألم وحزن وهمّ دائم لا تستحقه..!ـ
هذا رجل يستحق أن يحزن-قليل منا من يحق له هذا الحق- وهاهو يجابه همه بصبر القلب وابتسامة التعابير..
بينما أعيش أنا في دنيا أحزاني الفلسفية...وآلامي الميتافيزيقية وتساؤلات عن كنه
نفسي...وحيرتي في دوافعي...ويدميني تناقضي ويغمّني جهلي لظلمات النوايا ...وتغريني لجّة الأسئلة السرمدية...
فأحس أن هذا كله باطل أباطيل وزيف...اا

وبينما أفكر في هذا الأمر...وكيف يمكن أن
أكتبه هنا...وصلتني كرسالة

هذه القصيدة الرائعة  ...!ـ

وراعني أنها في معانيها تصرخ بذلك السؤال
الفاجع-الذي لطالما ألقيته في وجه نفسي-
المتواري والظاهر فيها..."هل نستحقّ آلامنا؟"ـ

رجل يمرُّ حاملاً رَغيفَ خُبزٍ على كَتِفِه
فهلْ سأكتبُ بعد ذلك عن صنوي?ا

آخرُ يجلسُ, يحكُ, ويُخرج قملةً من إبطه.
. يقتلُهافما قيمةُ الحديثِ عن التَحليلِ النَّفسي? ا

آخر ُيقتحمُ صَدريَ وفي يدِه عصا
فَهل يمكنُ التحدثُ بعدَ ذلكَ عن سُقراط إلى الطَّبيب?ا

أعرجُ يمرُّ مادّاً ذراعَه إلى طِفْل
فهلْ سأقرأ بعدَ ذلك أندريه بريتون?ا

, آخرُ يرتعشُ من البَرد يَسعلُ, يبصُقُ دَماً
فهلْ يُجدي التَّلميحُ إلى الأنا العَميق?ا

آخرُ يبحثُ في الوَحلِ عن عِظام وقُشور
فكيفَ نكتبُ بعد ذَلك عن اللاّنهَاية?ا

بنَّاءٌ يَسقطُ من أعلى سَطحٍ, ويموتُ دونَ تناولِ الغداء
هل سنبتكرُ بعد ذلك الاستعارة والمجاز? ا

تاجرٌ يختلسُ جراماً وهو يكيلُ للزبون
أيمكنُ التحدُّث بعدَ ذلكَ عن البُعدِ الرَّابع?ا

مصرفيّ يُزوِّر ميزانيتَه
فبأيِّ وجهٍ يمكنُ البُكاء في المَسْرح ?ا

منبوذٌ ينامُ وقدمُه على ظهرِه
أيمكنُ التحدثُ بعد ذلكَ عن بيكاسو إلى أَحد?ا

أحدُهم يَمضى مُنتحِباً في جناز
ةكيفَ يمكنُ الالتحاقُ بعدئذٍ بالأكاديمية?ا

أحدُهم ينظِّفُ بندقيةً في مطْبخهِ
ما قيمةُ الحديثِ عن الغَيب?ا

أحدُهم يمرُّ حاسباً على أصابعه
فكيفَ يمكُنُ التحدثُ عن اللاّ - أنا دونَ صُراخ?!!!!!!!!!!!ا

قصائد انسانية - Caesar Vallejo قيصر باييخو

الشيخ عيسى بلا بيت
فكيف اتلذذ بآلامي الميتافيزيقية..؟!!!!ا

5 comments:

Anonymous said...

يسعدنى ان أعلق على هذه القطعة الأدبية المتخمة بالمشاعر الجياشة و الأفكار الفلسفية المتميزة .. و التى تجعلنا بدون وعى نغرق فى التأملات .. حقًا هذا العالم غريب .. نفكر فى أشياء و نصنع لنفسنا قوالب للأحزان .. رغم أننا فى راحة و نعمة نحسد عليها ..

و كم كنت رائعًا يا صديقى أوداد .. حين ختمت تلك المقطوعة بجملة :

الشيخ عيسى بلا بيت ..
فكيف اتلذذ بآلامى الميتافيزيقية ؟!!!!

حقًا .. كيف ؟

Mist said...

لنعرف أننا نُرْزَقُ أحيانًا دون أن يعني هذا أننا مستحقون تمامًا للنعمة
.
.
ربما يحثنا الوعي أن نشكرها،ونبتر الشكاية

Anonymous said...

يخيل لي ان حامل شعلة المخلدين قد جانب الصواب في تصوره نوعا ما..
يخيل لي أن القصة قطعة ادبية مجتثة من واقع مرير..
يخيل لي انك حدثتني يوما عن الشيخ المغربي الذي درسك صغيرا ..
بالتأكيد.. أشر الآلام ما يجتث من قلب الإنسان لانسان يكن له الشيء الكثير..

كرا لك على إيقاظ آلامنا الدفينة..
شكرا لك على تذكيرنا باننافي نعم علينا الفرح به وحمد الله عليها..

محمد أبوغرارة said...

آسف على التأخيرغيرالمبرر...الغير مقصود..!
عمرو أشكرك بشدة عزيزي على أيك الجميل...في طريقتي لعرض الموضوع..!
سعيدبوجودك..!

سـديم نورتي الفضاء...ربما الأمر يستحق أكثر من عدم الشكاية لكي نستريح، إن كنا من أولئك الناس الذين تحزنهم آلام الأخرين ....
أرجو أزلية المرور..!

عصااااااام...
أهلا بك صديقي....
الأمر كما قلت..أنا إنما اروي وقائق...وكان عليا وضعها في قالب ما...وحاولت أن اضهعا في أفضل ما استطيع، لتقريب الصورة....!
دمت متواجداً...!

Anonymous said...

" لوهلة يخيل إليك و أنت في خضم هذه النفحات السوداء أنك تشعر بشئ ينفرج في داخلك . تحاول ان تستوضح من نفسك أكثر فيذوب ذلك الشعور و تشعر به يبتعد عنك كما لو كنتما قطبي مغناطيس متشابهين .

حينما تنقشع تلك النفحات تكون قد امسكت بتلابيب ذلك الغريب مسكا لتجد أنك امسكت شيئا من نفسك !!

لتجد ذلك الشعور الذي يقول لك : انت لست و حيدا . و أن حيرتك و بؤسك و صراعك مع نفسك ليس استثناء فيك .

بل هناك من هو مثلك ، أو أكثر .

لذلك تفرح ، فتشعر بذلك الإنفراج بداخلك "